كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ويقول: إنما يعجب من لا يعلم.
وقال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي، فقال إبراهيم النخعي: إن شريحًا كان معجبًا برأيه، وعبد الله بن مسعود كان أعلم منه، وكان يقرؤها {بَلْ عَجِبْتَ} بالضم.
وروي عن ابن عباس أنه كان يقرأ هكذا بالضم، وهو اختيار أبي عبيدة.
ثم قال: {وَيَسْخُرُونَ} يعني: يسخرون حين سمعوا {وَإِذَا ذُكّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ} يعني: إذا وعظوا بالقرآن، لا يتعظون {وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً} يعني: علامة مثل انشقاق القمر {يَسْتَسْخِرُونَ} يعني: يستهزئون، ويسخرون.
وقال أهل اللغة سخر واستسخر بمعنى واحد، مثل قرأ واستقرأ {وَقَالُواْ إِن هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} يعني: يبين قوله عز وجل: {أَءذَا مِتْنَا} يعني: يقولون إذا متنا {وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءنَّا لَمَبْعُوثُونَ} يعني: لمحيون بعد الموت {أَوَ ءابَاؤُنَا الاولون قُلْ} يا محمد {نَعَمْ وَأَنتُمْ داخرون} يعني: صاغرون.
ثم قال عز وجل: {فَإِنَّمَا هي زَجْرَةٌ واحدة} يعني: صيحة ونفخة واحدة، ولا يحتاج إلى الأخرى {فَإِذَا هُم} يعني: الخلائق {يُنظَرُونَ} يعني: يخرجون من قبورهم، وينظرون إلى السماء كيف غيرت؟ والأرض كيف بدلت؟ فلما عاينوا البعث، ذكروا قول الرسل: إن البعث حق.
{وَقَالُواْ ياويلنا هذا يَوْمُ الدين} يعني: يوم الحساب.
ويقال: يوم الجزاء.
فردت عليهم الحفظة.
ويقولون: {هذا يَوْمُ الفصل الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} أنه لا يكون.
ثم ينادي المنادي: {احشروا الذين ظَلَمُواْ} يعني: سوقوا الذين كفروا {وأزواجهم} يعني: وأشباههم.
ويقال: وقرناءهم، وضرباءهم.
ويقال: وأشياعهم، وأعوانهم.
ويقال: وأمثالهم {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} يعني: من الشياطين الذين أضلوهم.
ويقال: كل معبود، وكل من يطاع في المعصية {فاهدوهم} يعني: ادعوهم جميعًا.
ويقال: اذهبوا بهم، وسوقوهم جميعًا {إلى صراط الجحيم} يعني: إلى طريق الجحيم، والجحيم ما عظم من النار.
ويقال: إلى وسط الجحيم.
فلما انطلق بهم إلى جهنم أرسل الله عز وجل ملكًا يقول: {وَقِفُوهُمْ} أي: احبسوهم {أَنَّهُمْ} عن ترك قول لا إله إلاَّ الله.
ويقال: في الآية تقديم.
يعني: يقال لهم قفوا قبل ذلك.
فحبسوا، أو سئلوا.
ثم يساق بهم إلى الجحيم فيقال لهم: {مَّسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لاَ تناصرون} يعني: لم ينصر بعضكم بعضًا، ولا يدفع بعضكم عن بعض كما كنتم تفعلون في الدنيا.
قوله عز وجل: {بَلْ هُمُ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ} أي: خاضعون ذليلون {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} يعني: يسأل ويخاصم بعضهم بعضًا القادة والسفلة، والعابد، والمعبود، ومتابعي الشيطان للشيطان.
ويقال: {يَتَسَاءلُونَ} يعني: يتلاومون {قَالُواْ} يعني: السفلة للرؤساء {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} يعني: من قبل الحق أي: الدين فزينتم لنا ضلالتنا.
وروي عن الفراء أنه قال: {اليمين} في اللغة القوة والقدرة.
ومعناه {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا} بأقوى الحيل، وكنتم تزينون علينا أعمالنا.
وقال الضحاك: تقول السفلة للقادة: إنكم قادرون وظاهرون علينا.
ونحن ضعفاء أذلاء في أيديكم.
روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: {تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} عن الحق.
يعني: الكفار يقولون: للشيطان.
وقال القتبي: إنما يقول هذا: المشركون لقرنائهم من الشياطين {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} يعني: عن أيماننا لأن إبليس قال: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكرين} [الأعراف: 17] وقال المفسرون: من أتاه الشيطان من قبل اليمين، أتاه من قبل الدين، وليس عليه الحق.
ومن أتاه من قبل الشمال، أتاه من قبل الشهوات، ومن أتاه من بين يديه، أتاه من قبل التكذيب بالقيامة، ومن أتاه من خلفه خوفه الفقر على نفسه، وعلى من يخلف بعده، فلم يصل رحمًا، ولم يؤد زكاة.
وقال المشركون لقرنائهم: {إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} في الدنيا من جهة الدين يعني: أضللتمونا {قَالُواْ} لهم قرناؤهم {بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} أي: لم تكونوا على حق، فتشبه عليكم، ونزيلكم عنه إلى الباطل {وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مّن سلطان} يعني: من قدرة فنقهركم.
ويقال: من ملك فنجبركم عليه {بَلْ كُنتُمْ قَوْمًا طاغين} يعني: كافرين عاصين {فَحَقَّ عَلَيْنَا} يعني: وجب علينا جميعًا {قَوْلُ رَبّنَا} وهو السخط.
ويقال: {قَوْلُ رَبّنَا} يوم قال لإبليس {لاّمْلاّنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85] {إِنَّا لَذَائِقُونَ} يعني: العذاب جميعًا في النار.
قوله عز وجل: {فأغويناكم} يعني: أضللناكم عن الهدى {إِنَّا كُنَّا غاوين} يعني: ضالين.
يقول الله تعالى: {فَإِنَّهُمْ} يعني: الكفار والشياطين {يَوْمَئِذٍ في العذاب مُشْتَرِكُونَ} يعني: شركاء في النار، وفي العذاب يوم القيامة {إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بالمجرمين} يعني: هكذا نفعل بمن أشرك، فنجمع بينهم وبين الذين أضلّوهم في النار.
ثم أخبر عنهم فقال: {إِنَّهُمْ كَانُواْ} يعني: في الدنيا {إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إله إِلاَّ الله} يعني: قولوا لا إله إلا الله {يَسْتَكْبِرُونَ} عنها، ولا يقولونها {وَيَقُولُون اعتراك بَعْضُ ءالِهَتِنَا} يعني: أنترك عبادة آلهتنا {لِشَاعِرٍ} يعني: لقول شاعر {مَّجْنُونٍ} أي: مغلوب على عقله.
يقول الله تعالى: {بَلْ جَاء بالحق} يعني: بالقرآن.
ويقال: بأمر التوحيد.
ويقال: جاء ببيان الحق {وَصَدَّقَ المرسلين} الذين قبله.
قال مقاتل: يعني: صدق محمد صلى الله عليه وسلم بالمرسلين الذين قبله.
وقال الكلبي: وبتصديق المرسلين الذين قبله.
ومعناهما واحد.
ويقال: معناه جاء محمد عليه السلام بموافقة المرسلين عليهم السلام {إِنَّكُمْ} يعني: العابد والمعبود {يَرَوُاْ العذاب الاليم} يعني: لتصيبوا العذاب الوجيع الدائم {وَمَا تُجْزَوْنَ} في الآخرة {إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} يعني: إلا بما كنتم تعملون في الدنيا من المعاصي والشرك.
ثم استثنى المؤمنين فقال عز وجل: {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} يعني: الموحدين ويقال: {إِلا} بمعنى لكن {عِبَادَ الله المخلصين}.
ثم قال: {أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ} يعني: طعام معلوم معروف حين يشتهونه على قدر غدوة وعشية.
ثم بيّن الرزق فقال: {فواكه} يعني: ألوان الفاكهة {وَهُم مُّكْرَمُونَ} بالثواب.
ويقال: منعمون {فِي جنات النعيم على سُرُرٍ متقابلين} في الزيارة {يُطَافُ عَلَيْهِمْ} يعني: يطوف عليهم خدمهم {بِكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ} خمرًا جاريًا من معين.
يعني: الطاهر الجاري {بَيْضَاء}.
يعني: بخمرة توجب اللذة {بَيْضَاء لَذَّةٍ} يعني: شهوة {لِلشَّارِبِينَ لاَ فِيهَا غَوْلٌ} يعني: ليس فيها إثم.
ويقال: لا غائلة لها، ولا يوجع منها الرأس.
وروى شريك عن سالم قال: {لاَ فِيهَا غَوْلٌ} أي: لا مكروه فيها، ولا أذى.
وقال القتبي: {لاَ فِيهَا غَوْلٌ} أي: لا تغتال عقولهم، فتذهب بها.
يقال: الخمر غول للحلم، والحرب غول للنفوس، والغول البعد {وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ} قرأ حمزة والكسائي {يُنزَفُونَ} بكسر الزاي.
وقرأ الباقون بالنصب فمن قرأ بالنصب فمعناه: لا يذهب عقولهم شربها.
ويقال للسكران: نزيف ومنزوف إذا زال عقله.
ومن قرأ بالكسر، فله معنيان: أحدهما لا ينفد شرابهم أبدًا، والثاني أنهم لا يسكرون.
ثم قال عز وجل: {وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف عِينٌ} يعني: غاضات الأعين عن غير أزواجهن.
يعني: قصرن طرفهن على أزواجهن، وقنعن بهم، ولا يبغين بهم بدلًا.
ثم قال: {عِينٌ} أي: حسان الأعين شدة البياض في شدة السواد.
يقال لواحدة العين: عيناء.
يعني: كبيرة العين.
ويقال: الحسن العيناء التي سواد عينها أكثر من بياضها.
ثم قال: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ} يعني: إنهن أحسن بياضًا من بيض النعم، والعرب تشبه النساء ببيض النعام.
يقال: لا يكون لون البياض في شيء أحسن من بيض النعام.
وقال قتادة: البيض التي لم تلوثه الأيدي.
ويقال: البيض أراد به القشر الداخل من البيض المكنون قد خبأ، وكنَّ من البرد والحر {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} يعني: يسأل بعضهم بعضًا عن حاله في الدنيا.
قوله عز وجل: {قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ} يعني: من أهل الجنة {إِنّى كَانَ لِى قَرِينٌ} وهو الذي بيّن الله تعالى أمرهما في سورة الكهف {واضرب لهُمْ مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لًاحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أعناب وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا} [الكهف: 32] فكانا أخوين وشريكين، وأنفق أحدهما ماله في أمر الآخرة، واتخذ الآخر لنفسه ضياعًا، وخدمًا، واحتاج المؤمن إلى شيء، فجاء إلى أخيه الكافر يسأله، فقال له الكافر ما صنعت بمالك، فأخبره أن قدمه إلى الآخرة، فقال له الكافر: {يِقُولُ أَءنَّكَ لَمِنَ المصدقين} يعني: إنك ممن يصدق بالبعث.
وطلب منه أن يدخل في دينه، ولم يقض حاجته، فذلك قوله: {أَءنَّكَ لَمِنَ المصدقين} يعني: بالبعث بعد الموت.
قوله عز وجل: {أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءنَّا لَمَدِينُونَ} يعني: لمحاسبون.
فيقول المؤمن لأصحابه في الجنة: {قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ} حتى ننظر إلى حاله، وإلى منزله، فيقول أصحابه: اطلع أنت، فإنك أعرف به منا {فَأَطَّلِعَ} يعني: فنظر في النار {فاطلع فَرَءاهُ في سَوَاء} يعني: رأى أخاه في وسط الجحيم، أسود الوجه، مزرق العين، فيقول المؤمن عند ذلك قوله: {قَالَ تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ} يعني: والله لقد هممت لتغويني، ولتضلني.
ويقال: {لَتُرْدِينِ} أي: لتهلكني يقال: أرديت فلان أي: أهلكته.
والردى: الموت والهلاك.
وقال القتبي في قوله: {أَنَاْ لَمَدِينُونَ} أي: مجازون بأعمالنا.
يقال: دنته بما عمل أي جازيته.
ثم قال عز وجل: {وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبّى} يعني: لولا ما أنعم الله عليَّ بالإسلام {لَكُنتُ مِنَ المحضرين} معك في النار ثم أقبل المؤمن على أصحابه في الجنة فقال: يا أهل الجنة {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ إِلاَّ مَوْتَتَنَا الأولى} اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به النفي.
يعني: لا نموت أبدًا سوى موتتنا الأولى.
وذلك حين يذبح الموت، فيأمنوا من الموت {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} يعني: لم نكن من المعذبين مثل أهل النار.
قال الله عز وجل: {إِنَّ هذا لَهُوَ الفوز العظيم} يعني: النجاة الوافرة، فازوا بالجنة، ونجوا من النار {لِمِثْلِ هذا} يعني: لمثل هذا الثواب، والنعم، والخلود، {فَلْيَعْمَلِ العاملون} أي فليبادر المبادرون.
ويقال: فليجتهد المجتهدون.
ويقال: فليحتمل المحتملون الأذى، لأنه فد حفّت الجنة بالمكاره {أذلك خَيْرٌ نُّزُلًا} يعني: الذي وصفت في الجنة خير ثوابًا.
ويقال رزقًا.
ويقال: منزلًا {أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} للكافرين {إِنَّا جعلناها فِتْنَةً للظالمين} يعني: ذكر الشجرة بلاء للمشركين.
قال قتادة: زادتهم تكذيبًا، فقالوا: يخبركم محمد أن في النار شجرة، والنار تحرق الشجر.
وقال مجاهد: {إِنَّا جعلناها فِتْنَةً} قول أبي جهل: إنما الزقوم التمر، والزبد.
فقال لجاريته: زقمينا فزقمته.
وذكر أن ابن الزبعري قال: الزقوم بلسان البربر، وإفريقيا التمر والزبد.
فأخبر الله تعالى عن الزقوم أنه لا يشبه النخل، ولا طلعها كطلع النخل، فقال: {أذلك خَيْرٌ نُّزُلًا} يعني: نعيم الجنة، وما فيها من اللذات {خَيْرٌ نُّزُلًا} أي: طعامًا {أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} لأهل النار.
قوله عز وجل: {إِنَّا جعلناها فِتْنَةً للظالمين} ثم وصف الشجرة فقال: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ في أَصْلِ الجحيم} يعني: في وسط الجحيم {طَلْعِهَا} يعني: ثمرتها {كَأَنَّهُ رؤوس الشياطين} يعني: رؤوس الحيات، قبيح في النظر.
ويقال: هو نبت لا يكون شيء من النبات أقبح منه، وهو يشبه الحسك، فيبقى في الحلق.
ويقال: هي رؤوس الشياطين بعينها، وذلك أن العرب إذا وصفت الشيء بالقبح، تقول: كأنه شيطان.
ثم وصف أكلهم فقال: {فَإِنَّهُمْ لاَكِلُونَ مِنْهَا} يعني: من ثمرها {فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} وهو جماعة المالىء.
يعني: يملؤون منها البطون.
قال: حدّثنا أبو الليث رحمه الله قال: حدّثنا الفقيه أبو جعفر.
قال: حدّثنا محمد بن عقيل.
قال: حدّثنا عباس الدوري.
قال: حدّثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا الله وَلا تَمُوتُنَّ إلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. فَلَوْ أنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قَطَرَتْ فِي الأرْضِ، لأَمَرَّتْ عَلَى أهْلِ الدُّنْيَا مَعِيشَتَهُمْ، فَكيْفَ بِمَنْ هُوَ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرُهُ».
قوله عز وجل: {ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} يعني: خلطًا من حميم من ماء حار في جهنم {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم} يعني: مصيرهم إلى النار.
ثم بيّن المعنى الذي به يستوجبون العقوبة فقال تعالى: {إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ} يعني: وجدوا {ضَالّينَ فَهُمْ} عن الهدى {فَهُمْ على ءاثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} يعني: يسعون في مثل أعمال آبائهم، والإهراع في اللغة المشي بين المشيتين.
وقال مجاهد: كهيئة الهرولة.
ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ} يعني: أضلّ إبليس قبلهم {أَكْثَرُ الاولين} يعني: من الأمم الخالية.
ولم يذكر إبليس لأن في الكلام دليلًا عليه، فاكتفى بالإشارة. ومثل هذا كثير في القرآن.
ثم قال عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ} يعني: رسلًا ينذرونهم كما أرسلناك إلى قومك، فكذبوهم بالعذاب كما كذبك قومك، فعذبهم الله تعالى في الدنيا {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} يعني: آخر أمر من أنذر فلم يؤمن {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} يعني: الموحدين، المطيعين، فإنهم لم يعذبوا.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ} يعني: دعا نوح ربه على قومه، وهو قوله: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنُّى مَغْلُوبٌ فانتصر} [القمر: 10] {فَلَنِعْمَ المجيبون} يعني: نعم المجيب أنا {ونجيناه وَأَهْلَهُ مِنَ الكرب العظيم} يعني: من الهول الشديد، وهو الغرق.
قوله: {وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ الباقين} لأن الذي حمل معه من الناس ثمانون رجلًا وامرأة غرقوا كلهم، ولم يبق إلا ولده سام وحام ويافث قال الفقيه أبو الليث رحمه الله: حدّثنا أبو جعفر.
قال: حدّثنا أبو القاسم الصفار بإسناده عن سمرة بن جندب.
قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سَام أبُو العَرَبِ، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم».
ثم قال تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ في الاخرين} يعني: أبقينا عليه ذكرًا حسنًا في الباقين من الأمم، وهذا قول القتبي: وقال مقاتل: يعني: أثنينا على نوح بعد موته ثناء حسنًا.
ثم قال عز وجل: {سلام على نُوحٍ في العالمين} يعني: السعادة والبركة على نوح من بين العالمين {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} يعني: هكذا نجزي كل من أحسن {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} يعني: المصدقين بالتوحيد {ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخرين} يعني: قومه الكافرين. اهـ.